فصل: بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ مَا يُحْدِثُ السَّارِقُ فِي السَّرِقَةِ:

(وَمَنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ فِي الدَّارِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ سَبَبَ الْمِلْكِ، وَهُوَ الْخَرْقُ الْفَاحِشُ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ وَتَمَلُّكَ الْمَضْمُونِ وَصَارَ كَالْمُشْتَرِي إذَا سَرَقَ مَبِيعًا فِيهِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ.
وَلَهُمَا: أَنَّ الْأَخْذَ وُضِعَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ لَا لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا الْمِلْكُ يَثْبُتُ ضَرُورَةَ أَدَاءِ الضَّمَانِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَمِثْلُهُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ كَنَفْسِ الْأَخْذِ.
وَكَمَا إذَا سَرَقَ الْبَائِعُ مَعِيبًا بَاعَهُ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخْذَ الثَّوْبِ، فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ، فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ إذْ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ تَضْمِينِ كُلِّ الْقِيمَةِ (وَإِنْ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى اللَّحْمِ وَلَا قَطْعَ فِيهِ (وَمَنْ سَرَقَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَصَنَعَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ وَتُرَدُّ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهِمَا) وَأَصْلُهُ فِي الْغَصْبِ فَهَذِهِ صَنْعَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، ثُمَّ وُجُوبُ الْحَدِّ لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ، وَقِيلَ يَجِبُ لِأَنَّهُ صَارَ بِالصَّنْعَةِ شَيْئًا آخَرَ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ (فَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ قُطِعَ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ وَلَمْ يَضْمَنْ قِيمَةَ الثَّوْبِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ (يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَيُعْطِي مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ) اعْتِبَارًا بِالْغَصْبِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا كَوْنُ الثَّوْبِ أَصْلًا قَائِمًا وَكَوْنُ الصَّبْغِ تَابِعًا.
وَلَهُمَا: أَنَّ الصَّبْغَ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَخْذَهُ مَصْبُوغًا يَضْمَنُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَحَقُّ الْمَالِكِ فِي الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً لَا مَعْنًى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى السَّارِقِ بِالْهَلَاكِ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ السَّارِقِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى فَاسْتَوَيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَالِكِ بِمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ أُخِذَ مِنْهُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، لِأَنَّ السَّوَادَ زِيَادَةٌ عِنْدَهُ كَالْحُمْرَةِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ زِيَادَةٌ أَيْضًا كَالْحُمْرَةِ وَلَكِنَّهُ لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ السَّوَادُ نُقْصَانٌ فَلَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ:

قَالَ: (وَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعِينَ أَوْ وَاحِدٌ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَقَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ فَأُخِذُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا مَالًا وَيَقْتُلُوا نَفْسًا حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً، وَإِنْ أَخَذُوا مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَالْمَأْخُوذُ إذَا قُسِمَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا أَوْ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ذَلِكَ قَطَعَ الْإِمَامُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ حَدًّا) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الْآيَةَ.
وَالْمُرَادُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: التَّوْزِيعُ عَلَى الْأَحْوَالِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَالرَّابِعَةُ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْجِنَايَاتِ تَتَفَاوَتُ عَلَى الْأَحْوَالِ فَاللَّائِقُ تَغَلُّظُ الْحُكْمِ بِتَغَلُّظِهَا.
أَمَّا الْحَبْسُ فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ نُفِيَ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ بِدَفْعِ شَرِّهِمْ عَنْ أَهْلِهَا وَيُعَزَّرُونَ أَيْضًا لِمُبَاشَرَتِهِمْ مُنْكَرًا لِإِخَافَةٍ، وَشَرَطَ الْقُدْرَةَ عَلَى الِامْتِنَاعِ لِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمَنَعَةِ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ كَمَا بَيَّنَّاهَا لِمَا تَلَوْنَاهُ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِتَكُونَ الْعِصْمَةُ مُؤَبَّدَةً، وَلِهَذَا لَوْ قُطِعَ الطَّرِيقُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ، وَشَرَطَ كَمَالَ النِّصَابِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ كَيْ لَا يُسْتَبَاحُ طَرَفُهُ إلَّا بِتَنَاوُلِهِ مَا لَهُ خَطَرٌ، وَالْمُرَادُ قَطْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ.
وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ كَمَا بَيَّنَّاهَا لِمَا تَلَوْنَاهُ (وَيُقْتَلُونَ حَدًّا حَتَّى لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ عَنْهُمْ لَا يُلْتَفَتُ إلَى عَفْوِهِمْ) لِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ.
(وَ) الرَّابِعَةُ (إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ.
َقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ وَلَا يُقْطَعُ) لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُوجِبُ حَدَّيْنِ، وَلِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ فِي بَابِ الْحَدِّ كَحَدِّ السَّرِقَةِ وَالرَّجْمِ وَلَهُمَا: أَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ تَغَلَّظَتْ لِغِلَظِ سَبَبِهَا وَهُوَ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى التَّنَاهِي بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ، وَلِهَذَا كَانَ قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مَعًا فِي الْكُبْرَى حَدًّا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَا فِي الصُّغْرَى حَدَّيْنِ وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُدُودِ لَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الصَّلْبِ وَتَرْكِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَالْمَقْصُودُ التَّشْهِيرُ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: أَصْلُ التَّشْهِيرِ بِالْقَتْلِ وَالْمُبَالَغَةِ بِالصَّلْبِ فَيُخَيَّرُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: (وَيُصْلَبُ حَيًّا وَيُبْعَجُ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ) وَمِثْلُهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ تَوَقِّيًا عَنْ الْمُثْلَةِ، وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الصَّلْبَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَبْلَغُ فِي الرَّدْعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ.
قَالَ: (وَلَا يُصْلَبُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا فَيَتَأَذَّى النَّاسُ بِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى خَشَبَةٍ حَتَّى يَتَقَطَّعَ وَيَسْقُطَ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ.
قُلْنَا: حَصَلَ الِاعْتِبَارُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالنِّهَايَةُ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ.
قَالَ: (وَإِذَا قُتِلَ الْقَاطِعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي مَالٍ أَخَذَهُ) اعْتِبَارًا بِالسَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَقَدْ بَيَّنَّاهُ (فَإِنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ أَحَدُهُمْ أُجْرِيَ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ بِأَجْمَعِهِمْ) لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ رِدْءًا لِلْبَعْضِ، حَتَّى إذَا زَلَّتْ أَقْدَامُهُمْ انْحَازُوا إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَدْ تَحَقَّقَ.
قَالَ: (وَالْقَتْلُ وَإِنْ كَانَ بِعَصَا أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ بِسَيْفٍ فَهُوَ سَوَاءٌ) لِأَنَّهُ يَقَعُ قَطْعًا لِلطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ (وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ الْقَاطِعُ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا، وَقَدْ جَرَحَ اُقْتُصَّ مِنْهُ فِيمَا فِيهِ الْقِصَاصُ وَأُخِذَ الْأَرْشُ مِنْهُ فِيمَا فِيهِ الْأَرْشُ وَذَلِكَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ) لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ، فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَيَسْتَوْفِيهِ الْوَلِيُّ (وَإِنْ أَخَذَ مَالًا ثُمَّ جَرَحَ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ وَبَطَلَتْ الْجِرَاحَاتُ) لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْحَدُّ حَقًّا لِلَّهِ سَقَطَتْ عِصْمَةُ النَّفْسِ حَقًّا لِلْعَبْدِ، كَمَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ (وَإِنْ أُخِذَ بَعْدَمَا تَابَ وَقَدْ قَتَلَ عَمْدًا، فَإِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ) لِأَنَّ الْحَدَّ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ لَا يُقَامُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ، وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ وَلَا قَطْعَ فِي مِثْلِهِ فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ أَوْ يَعْفُوَ وَيَجِبُ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ (وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقُطَّاعِ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ) فَالْمَذْكُورُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ يُحَدُّ الْبَاقُونَ، وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى.
وَلَهُ: أَنَّ الْمُبَاشِرَ أَصْلٌ وَالرَّدُّ تَابِعٌ، وَلَا خَلَلَ فِي مُبَاشَرَةِ الْعَاقِلِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْخَلَلِ فِي التَّبَعِ وَفِي عَكْسِهِ يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى وَالْحُكْمُ.
وَلَهُمَا أَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فَصَارَ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ.
وَأَمَّا ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَقَدْ قِيلَ تَأْوِيلُهُ: إذَا كَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُطْلَقٌ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمَنٌ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهِ لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَهُوَ يَخُصُّهُ، أَمَّا هُنَا الِامْتِنَاعُ لِخَلَلٍ فِي الْحِرْزِ وَالْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ (وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ) لِظُهُورِ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ (فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا)، وَإِذَا قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ الطَّرِيقَ عَلَى الْبَعْضِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْقَافِلَةُ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ (وَمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ أَوْ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ فَلَيْسَ بِقَاطِعٍ الطَّرِيقَ) اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ قَاطِعَ الطَّرِيقِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَإِنْ كَانَ بِقُرْبِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ، وَعَنْهُ إنْ قَاتَلُوا نَهَارًا بِالسِّلَاحِ أَوْ لَيْلًا بِهِ أَوْ بِالْخَشَبِ فَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ، لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ، وَالْغَوْثُ يُبْطِئُ بِاللَّيَالِيِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الطَّرِيقَ يَقْطَعُ الْمَارَّةَ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لُحُوقُ الْغَوْثِ، إلَّا أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِرَدِّ الْمَالِ إيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَيُؤَدَّبُونَ وَيُحْبَسُونَ لِارْتِكَابِهِمْ الْجِنَايَةَ، وَلَوْ قَتَلُوا فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِمَا بَيَّنَّا (وَمَنْ خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ، وَسَنُبَيِّنُ فِي بَابِ الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ خَنَقَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ بِهِ) لِأَنَّهُ صَارَ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.كِتَابُ السِّيَرِ:

السِّيَرُ: جَمْعُ سِيرَةٍ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ فِي الْأُمُورِ.
وَفِي الشَّرْعِ تَخْتَصُّ بِسِيَرِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي مَغَازِيهِ.
قَالَ: (الْجِهَادُ) (فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ فَرِيقٌ مِنْ النَّاسِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ) أَمَّا الْفَرْضِيَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَأَرَادَ بِهِ فَرْضًا بَاقِيًا، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، لِأَنَّهُ مَا فُرِضَ لِعَيْنِهِ إذْ هُوَ إفْسَادٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا فُرِضَ لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْ الْعِبَادِ، فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَرَدِّ السَّلَامِ (فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ أَثِمَ جَمِيعُ النَّاسِ بِتَرْكِهِ) لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْكُلِّ، وَلِأَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ بِهِ قَطْعَ مَادَّةِ الْجِهَادِ مِنْ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَيَجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّفِيرُ عَامًّا) فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} الْآيَةَ.
وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْجِهَادُ وَاجِبٌ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي سَعَةٍ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهِمْ فَأَوَّلُ هَذَا الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَآخِرُهُ إلَى النَّفِيرِ الْعَامِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يَتَحَصَّلُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْكُلِّ فَيُفْتَرَضُ عَلَى الْكُلِّ.
الشرح:
كِتَابُ السِّيَرِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي نُشْبَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ: الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا تُكَفِّرُهُ بِذَنْبٍ، وَلَا تُخْرِجُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ، وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ، لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ، وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ، وَالْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ»، انْتَهَى.
وَبَقِيَّةُ السَّنَدِ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي نُشْبَةَ بِهِ.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي نُشْبَةَ فِي مَعْنَى الْمَجْهُولِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي نُشْبَةَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، انْتَهَى.
(وَقِتَالُ الْكُفَّارِ وَاجِبٌ) وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُوا لِلْعُمُومَاتِ (وَلَا يَجِبُ الْجِهَادُ عَلَى صَبِيٍّ) لِأَنَّ الصِّبَا مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ (وَلَا عَبْدٍ وَلَا امْرَأَةٍ) لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ (وَلَا أَعْمَى وَلَا مُقْعَدٍ وَلَا أَقْطَعَ لِعَجْزِهِمْ، فَإِنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَالْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى) لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ وَرِقُّ النِّكَاحِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ النَّفِيرِ، لِأَنَّ بِغَيْرِهِمَا مَقْنَعًا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ.
(وَيُكْرَهُ الْجُعْلُ مَا دَامَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيْءٌ) لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ الْأَجْرَ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ: (فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُقَوِّيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا) لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْأَعْلَى بِإِلْحَاقِ الْأَدْنَى، يُؤَيِّدُهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخَذَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ»، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُغْزِي الْأَعْزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ وَيُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْبُيُوعِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْعَارِيَّةِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ: «صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ مِنْهُ دُرُوعًا يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ: أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ.
وَقَالَ: وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَدْرُعًا وَسِلَاحًا فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ» انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَتَتْك رُسُلِي فَأَعْطِهِمْ ثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَثَلَاثِينَ دِرْعًا، قَالَ: قُلْت: أَعَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ»، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُغْزِي الْأَعْزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ، وَيُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي أَبْوَابٍ فِي الْجِهَادِ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُغْزِي الْعَزَبَ، وَيَأْخُذُ فَرَسَهُ الْمُقِيمُ فَيُعْطِيهِ الْمُسَافِرَ، انْتَهَى.
وَبَوَّبَ لَهُ بَابَ مَا قَالُوا فِي الْعَزَبِ يُغْزِي، وَيَتْرُكُ الْمُتَزَوِّجَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يُغْزِي الْأَعْزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ، وَيُغْزِي الْفَارِسَ عَنْ الْقَاعِدِ، انْتَهَى.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ:

(وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ دَارَ الْحَرْبِ، فَحَاصَرُوا مَدِينَةً أَوْ حِصْنًا دَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا قَاتَلَ قَوْمًا حَتَّى دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ».
قَالَ (فَإِنْ أَجَابُوا كَفُّوا عَنْ قِتَالِهِمْ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ: وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» الْحَدِيثَ.
(وَإِنْ امْتَنَعُوا دَعَوْهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ) بِهِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُمَرَاءَ الْجُيُوشِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْقِتَالُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ، وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، وَمَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ كَالْمُرْتَدِّينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ لَا فَائِدَةَ فِي دُعَائِهِمْ إلَى قَبُولِ الْجِزْيَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}.
(فَإِنْ بَذَلُوهَا فَلَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ، لِيَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا، وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا.
وَالْمُرَادُ بِالْبَذْلِ الْقَبُولُ وَكَذَا الْمُرَادُ بِالْإِعْطَاءِ الْمَذْكُورِ فِيهِ فِي الْقُرْآنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرح:
بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَاتَلَ قَوْمًا حَتَّى دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ».
قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا حَتَّى دَعَاهُمْ»، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا أَبُو حُبَابٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ هَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ، قَالَ: «أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ بِمُقْبِلِ قَوْمِي مُدْبِرَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا وَلَّيْت دَعَانِي، فَقَالَ: لَا تُقَاتِلْهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ»، مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ عَلِيٍّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ حِينَ بَعَثَهُ: لَا تُقَاتِلْ قَوْمًا حَتَّى تَدْعُوَهُمْ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيًّا إلَى قَوْمٍ يُقَاتِلُهُمْ»، وَقَالَ لَهُ، إلَى آخِرِهِ وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ إِسْحَاقَ، إلَّا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ انْتَهَى إلَى حِصْنٍ، أَوْ مَدِينَةٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: دَعُونِي أَدْعُوهُمْ كَمَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُمْ، فَقَالَ: إنَّمَا كُنْت رَجُلًا مِنْكُمْ فَهَدَانِي اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَسْلَمْتُمْ فَلَكُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْنَا، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَأَدُّوا الْجِزْيَةَ وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ نَابَذْنَاكُمْ عَلَى سَوَاءٍ، إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَمَرَ النَّاسَ فَغَدَوْا إلَيْهَا فَفَتَحُوهَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى وُجُوبِ الدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، وَقَالَ لَهُ: إنَّك تَقْدُمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ»، الْحَدِيثَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّهُ سَقَطَ الْوُجُوبُ بِحَدِيثِ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَتَبْقَى السُّنَّةُ»، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ، وَنَفْسَهُ إلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ رَأَيْت اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْت أَنَّهُ الْحَقُّ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا»، أَخْرَجَهُ فِي الزَّكَاةِ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»، انْتَهَى.
زَادَ الْبُخَارِيُّ: «إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ».
وَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ»، بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَادَ: «ثُمَّ قَرَأَ {إنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ}»، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أَنَسٍ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»، انْتَهَى.
وَفِيهِ حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ طَارِقِ بْنِ أَشَيْمَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، حَرَّمَ اللَّهُ مَالَهُ وَدَمَهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ»، وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ»، أَخْرَجَهَا كُلَّهَا مُسْلِمٌ فِي الْإِيمَان.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أُمَرَاءَ الْجُيُوشِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْكُفَّارِ إذَا امْتَنَعُوا مِنْ الْإِسْلَامِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اُغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيت عَدُوَّك مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ: اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ، إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلُوهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ، وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوك أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَك وَذِمَّةَ أَصْحَابِك، فَإِنَّكُمْ إنْ تَخْفِرُوا ذِمَّتَكُمْ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تَخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا، ثُمَّ اقْضُوا فِيهِمْ بَعْدَمَا شِئْتُمْ»، انْتَهَى.
زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ: قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ عَلْقَمَةُ: فَذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ لِمُقَاتِلِ بْنِ حِبَّانَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ هيضم عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا، وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا».
قُلْت: غَرِيبٌ.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي الْجَنُوبِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَنْ كَانَتْ لَهُ ذِمَّتُنَا، فَدَمُهُ كَدَمِنَا، وَدِيَتُهُ كَدِيَتِنَا، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: خَالَفَهُ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، فَرَوَاهُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْجَنُوبِ، وَأَبُو الْجَنُوبِ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
قُلْت: وَحَدِيثُ أَبَانَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا قَيْسُ بْنُ رَبِيعٍ الْأَسَدِيُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ بِهِ.
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَدْعُوَهُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فِي وَصِيَّةِ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَلِأَنَّهُمْ بِالدَّعْوَةِ يَعْلَمُونَ أَنَّا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى الدِّينِ لَا عَلَى سَلْبِ الْأَمْوَالِ وَسَبْيِ الذَّرَارِيّ، فَلَعَلَّهُمْ يُجِيبُونَ فَنُكْفَى مُؤْنَةَ الْقِتَالِ، وَلَوْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمَ لِلنَّهْيِ، وَلَا غَرَامَةَ لِعَدَمِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الدِّينُ أَوْ الْإِحْرَازُ بِالدَّارِ فَصَارَ كَقَتْلِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ) مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَحَّ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ، وَعَهِدَ إلَى أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا ثُمَّ يُحَرِّقَ» وَالْغَارَةُ لَا تَكُونُ بِدَعْوَةٍ.
قَالَ: (فَإِنْ أَبَوْا ذَلِكَ اسْتَعَانُوا بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَحَارَبُوهُمْ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ: {فَإِنْ أَبَوْا ذَلِكَ فَادْعُهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ أَبَوْهَا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ} وَلِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ النَّاصِرُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْمُدَمِّرُ عَلَى أَعْدَائِهِ فَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ.
قَالَ: (وَنَصَبُوا عَلَيْهِمْ الْمَجَانِيقَ) كَمَا نَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الطَّائِفِ.
(وَحَرَّقُوهُمْ) «لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَحْرَقَ الْبُوَيْرَةَ».
قَالَ: (وَأَرْسَلُوا عَلَيْهِمْ الْمَاءَ وَقَطَّعُوا أَشْجَارَهُمْ وَأَفْسَدُوا زُرُوعَهُمْ) لِأَنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلْحَاقَ الْكَبْتِ وَالْغَيْظِ بِهِمْ وَكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَتَفْرِيقِ جَمْعِهِمْ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا.
(وَلَا بَأْسَ بِرَمْيِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ) لِأَنَّ فِي الرَّمْيِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِالذَّبِّ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ، وَقَتْلُ الْأَسِيرِ وَالتَّاجِرِ ضَرَرٌ خَاصٌّ وَلِأَنَّهُ قَلَّمَا يَخْلُو حِصْنٌ عَنْ مُسْلِمٍ، فَلَوْ امْتَنَعَ بِاعْتِبَارِهِ لَانْسَدَّ بَابُهُ (وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِصِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِالْأَسَارَى لَمْ يَكُفُّوا عَنْ رَمْيِهِمْ) لِمَا بَيَّنَّا (وَيَقْصِدُونَ بِالرَّمْيِ الْكُفَّارَ) لِأَنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فِعْلًا فَلَقَدْ أَمْكَنَ قَصْدًا وَالطَّاعَةُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ وَمَا أَصَابُوهُ مِنْهُمْ لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ، وَلَا كَفَّارَةَ، لِأَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ وَالْغَرَامَاتُ لَا تُقْرَنُ بِالْفُرُوضِ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مَخَافَةُ الضَّمَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ نَفْسِهِ، أَمَّا الْجِهَادُ: فَمَبْنِيٌّ عَلَى إتْلَافِ النَّفْسِ فَيَمْتَنِعُ حَذَارِ الضَّمَانِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي وَصِيَّةِ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ: «اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ».
قَوْلُهُ: وَلَوْ قَاتَلَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمَ، لِلنَّهْيِ.
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ. قُلْت: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ بِمُقْبِلِ قَوْمِي مُدْبِرَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: لَا تُقَاتِلْهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ»، مُخْتَصَرٌ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: لَا تُقَاتِلْ قَوْمًا حَتَّى تَدْعُوَهُمْ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ، وَالسَّادِسُ: وَقَدْ صَحَّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ، وَعَهِدَ إلَى أُسَامَةَ أَنْ يُغِيرَ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا، ثُمَّ يُحَرِّقَ».
قُلْت: حَدِيثُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: «كَتَبْتُ إلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنْ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ، فَكَتَبَ إلَيَّ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، قَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ، وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ، وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ»، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أُسَامَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَهِدَ إلَيْهِ، فَقَالَ: أَغِرْ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا، وَحَرِّقْ»، انْتَهَى.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِيهِ: غَارُّونَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ هَكَذَا قَيَّدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: أَظُنُّهُ غَادُونَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمُخَفَّفَةِ فَإِنْ صَحَّتْ رِوَايَةُ الرَّاءِ فَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ ذُو غِرَّةٍ، أَيْ أَتَاهُمْ الْجَيْشُ عَلَى غِرَّةٍ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الْغَارَّ هُوَ الَّذِي يَغُرُّ غَيْرَهُ، وَلَا وَجْهَ لَهُ هُنَا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ تَكَلُّفٌ، فَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ، وَغَيْرُهُ: الْغَافِلُ، انْتَهَى.
وَأُبْنَى بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، بَعْدَهَا نُونٌ، وَأَلِفٌ مَقْصُورَةٌ مَوْضِعٌ مِنْ فِلَسْطِينَ بَيْنَ عَسْقَلَانَ وَالرَّمْلَةِ، وَيُقَالُ: يُبْنَى بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ آخِرَ الْحُرُوفِ، انْتَهَى.
وَزَعَمَ الْحَازِمِيُّ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمَ نَاسِخٌ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الدَّعْوَةُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَكَّارَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى خَيْبَرٍ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَهُمْ غَارُّونَ، فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ»، انْتَهَى.
قَالَ: وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، فَقَالَ: الْأَحَادِيثُ الْأُوَلُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْأَمْرِ بِدُعَاءِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ، وَأَمَّا بَنُو الْمُصْطَلِقِ، وَأَهْلُ خَيْبَرَ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ كَانَتْ بَلَغَتْهُمْ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ: «فَإِنْ أَبَوْا فَادْعُهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَقَاتِلْهُمْ».
قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ تَحَرُّزًا عَلَى الطَّائِفِ».
قُلْت: ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ مُعْضَلًا، وَلَمْ يَصِلْ سَنَدَهُ بِهِ، فَقَالَ: قَالَ قُتَيْبَةُ: ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى الطَّائِفِ».
قَالَ قُتَيْبَةُ: قُلْت لِوَكِيعٍ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالَ: صَاحِبُكُمْ عُمَرُ بْنُ هَارُونَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ مَكْحُولٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ المناجيق عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ»، انْتَهَى.
ورَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ، فَذَكَرَهُ وَزَادَ: «أَرْبَعِينَ يَوْمًا» وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي صَادِقٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «نَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي: «وَقَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ يَوْمَئِذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَى أَنْ تَنْصِبَ عَلَيْهِمْ الْمَجَانِيقَ، فَإِنَّا كُنَّا بِأَرْضِ فَارِسَ نَنْصِبُ الْمَجَانِيقَ عَلَى الْحُصُونِ فَنُصِيبُ مِنْ عَدُوِّنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْجَنِيقَ طَالَ الْمَقَامُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَمِلَ مَنْجَنِيقًا بِيَدِهِ، فَنَصَبَهُ عَلَى حِصْنِ الطَّائِفِ، وَيُقَالُ: قَدِمَ بِالْمَنْجَنِيقِ يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَقِيلَ: غَيْرُهُ».
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ الْبُوَيْرَةَ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَحَرَّقَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ وَفِيهَا نَزَلَتْ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا}الْآيَةَ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي عَنْ آدَمَ، وَفِي التَّفْسِيرِ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْمَغَازِي عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْهُ بِهِ، وَأَبُو دَاوُد فِي الْجِهَادِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي السِّيَرِ، وَفِي التَّفْسِيرِ عَنْ قُتَيْبَةَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْجِهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ وَالْمَصَاحِفِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانُوا عَسْكَرًا عَظِيمًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ السَّلَامَةُ، وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ.
(وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ ذَلِكَ فِي سَرِيَّةٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا) لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَهُنَّ عَلَى الضَّيَاعِ وَالْفَضِيحَةِ وَتَعْرِيضَ الْمَصَاحِفِ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَخِفُّونَ بِهَا مُغَايَظَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ» وَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ الْمُصْحَفَ، إذَا كَانُوا قَوْمًا يُوفُونَ بِالْعَهْدِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّعَرُّضِ، وَالْعَجَائِزُ يَخْرُجْنَ فِي الْعَسْكَرِ الْعَظِيمِ لِإِقَامَةِ عَمَلٍ يَلِيقُ بِهِنَّ كَالطَّبْخِ وَالسَّقْيِ وَالْمُدَاوَاةِ، فَأَمَّا الشَّوَابُّ فَقَرَارُهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَدْفَعُ لِلْفِتْنَةِ وَلَا يُبَاشِرْنَ الْقِتَالَ، لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهُنَّ لِلْمُبَاضَعَةِ وَالْخِدْمَةِ، فَإِنْ كَانُوا لَا بُدَّ مُخْرِجِينَ فَبِالْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ».
قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ»، انْتَهَى.
وَزَادَ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِيهِ، قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ: «كَانَ يَنْهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَيَخَافُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ»، قَالَ أَيُّوبُ: فَقَدْ نَالَهُ الْعَدُوُّ، وَخَاصَمُوكُمْ بِهِ، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «فَإِنِّي أَخَافُ».
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ».
وَاخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ: «مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» هَلْ هِيَ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ؟، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ، غَيْرَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنَ بُكَيْر أَخْرَجَاهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، فَإِنْ صَحَّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مَالِكًا شَكَّ فِي رَفْعِهَا مَرَّةً، فَوَقَفَهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: غَلَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، فَزَعَمَ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ: هَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ، فَأَفْرَدَ الزِّيَادَةَ مِنْ قَوْلِهِ، وَوَافَقَ الْقَعْنَبِيَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيُّ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَالْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ، فَأَدْرَجَهَا فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى الْقَعْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ، فَمَرَّةً يُبَيِّنُ أَنَّهَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَمَرَّةً يُدْرِجُهَا فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ عَنْ مَالِكٍ، فَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَلْبَتَّةَ، وَقَدْ رَفَعَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنَّ مَالِكًا شَكَّ، هَلْ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَا، فَجَعَلَ لِتَحَرِّيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَإِلَّا فَهِيَ صَحِيحَةٌ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ، انْتَهَى.
وَذَهِلَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، فَعَزَاهُ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، لِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ فَقَطْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى الْجَيْشِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ ضَيَاعُهُ، وَالشَّافِعِيَّةُ مَعَنَا فِي ذَلِكَ، وَأَخَذَ الْمَالِكِيَّةُ بِإِطْلَاقِهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُيُوشِ وَالسَّرَايَا عَمَلًا بِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ نَيْلُ الْعَدُوِّ لَهُ فِي الْجَيْشِ الْعَظِيمِ نَادِرًا فَنِسْيَانُهُ وَسُقُوطُهُ لَيْسَ نَادِرًا، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْآنِ فِي الْحَدِيثِ الْمُصْحَفُ.
وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ: بَابُ السَّفَرُ بِالْمَصَاحِفِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ: «سَافَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ»، انْتَهَى.
(وَلَا تُقَاتِلُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَلَا الْعَبْدُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) لِمَا بَيَّنَّا (إلَّا أَنْ يَهْجُمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلْدَةٍ لِلضَّرُورَةِ) وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَغْدِرُوا وَلَا يَغُلُّوا وَلَا يُمَثِّلُوا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا» وَالْغُلُولُ السَّرِقَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَالْغَدْرُ الْخِيَانَةُ وَنَقْضُ الْعَهْدِ، وَالْمُثْلَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ هُوَ الْمَنْقُولُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا».
قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ.
قَوْلُهُ: وَالْمُثْلَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً»، وَفِي لَفْظٍ: «أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَاسْتَوْخَمُوا الْأَرْضَ، وَسَقِمَتْ أَبْدَانُهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إبِلِهِ، فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَخَرَجُوا، فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَصَحُّوا، ثُمَّ مَالُوا عَلَى الرِّعَاءِ، فَقَتَلُوهُمْ، وَارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَاسْتَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ فِي إثْرِهِمْ، وَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَّلَ أَعْيُنَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا»، وَفِي لَفْظٍ: «وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ، وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا»، وَفِي لَفْظٍ: «فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ كَحَّلَهُمْ بِهَا»، وَفِي لَفْظٍ: «وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ»، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ قَتَادَةُ: «وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا، قَالَ قَتَادَةُ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ. انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبَيْهَقِيِّ: قَالَ أَنَسٌ: «فَمَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذَا خُطْبَةً، إلَّا نَهَى فِيهَا عَنْ الْمُثْلَةِ»، انْتَهَى.
قَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَحَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّسْخِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَقَتَادَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ بِهِمْ مَا فَعَلَ بِالرِّعَاءِ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «إنَّمَا سَمَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ أُولَئِكَ لِأَنَّهُمْ سَمَّلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي سِيرَتِهِ: مِنْ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الْآيَةَ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَبَى ذَلِكَ، لِمَا وَقَعَ مِنْ الْخِلَافِ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لَهَا قِصَّةً أُخْرَى، وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا يُشْعِرُهُ لَفْظَةَ إنَّمَا مِنْ الِاقْتِصَارِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ، عَلَى مَا فِي الْآيَةِ، وَأَمَّا مَنْ زَادَ عَلَى الْحِرَابَةِ جِنَايَاتٍ أُخَرَ، كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ حَيْثُ زَادُوا بِالرِّدَّةِ، وَسَمْلِ أَعْيُنِ الرِّعَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي خَبَرِهِمْ: «أَنَّهُمْ قَطَعُوا يَدَ الرَّاعِي وَرِجْلِهِ، وَغَرَزُوا الشَّوْكَ فِي لِسَانِهِ وَعَيْنَيْهِ حَتَّى مَاتَ»، فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمْ، وَالزِّيَادَةِ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَهَذَا لَيْسَ بِمُثْلَةٍ، وَالْمُثْلَةُ مَا كَانَ ابْتِدَاءً عَنْ غَيْرِ جَزَاءٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «إنَّمَا سَمَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَمَّلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ»، وَلَوْ أَنَّ شَخْصًا جَنَى عَلَى قَوْمٍ جِنَايَاتٍ فِي أَعْضَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَاقْتَصَّ مِنْهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، لَمَا كَانَ التَّشْوِيهُ الَّذِي حَصَلَ مِنْ الْمُثْلَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ فِي نُزُولِ الْآيَةِ الْأَقْوَالُ، وَتَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ، فَلَا نَسْخَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِشْعَارِ مِنْ بَابِ التَّمَتُّعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْت: مِمَّا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ بِالْآيَةِ مَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «لَمَّا قَطَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْدِيَ أَصْحَابِ اللِّقَاحِ، وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَّلَ أَعْيُنَهُمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: فَلَمْ تُسَمَّلْ بَعْدَ ذَلِكَ عَيْنٌ».
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: «مَا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْثًا، إلَّا نَهَاهُمْ عَنْ الْمُثْلَةِ»، انْتَهَى.
(وَلَا يَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا مُقْعَدًا وَلَا أَعْمَى) لِأَنَّ الْمُبِيحَ لِلْقَتْلِ عِنْدَنَا هُوَ الْحِرَابُ وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ، وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ يَابِسُ الشِّقِّ وَالْمَقْطُوعُ الْيُمْنَى وَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ.
وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُخَالِفُنَا فِي الشَّيْخِ الْفَانِي، وَالْمُقْعَدِ وَالْأَعْمَى، لِأَنَّ الْمُبِيحَ عِنْدَهُ الْكُفْرُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا.
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «نَهَى عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ وَالذَّرَارِيِّ، وَحِينَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مَقْتُولَةً قَالَ: هَا مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ فَلِمَ قُتِلَتْ» قَالَ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ أَوْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَلِكَةً) لِتَعَدِّي ضَرَرِهَا إلَى الْعِبَادِ وَكَذَا يُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ مِنْ هَؤُلَاءِ دَفْعًا لِشَرِّهِ وَلِأَنَّ الْقِتَالَ مُبِيحٌ حَقِيقَةً (وَلَا يَقْتُلُوا مَجْنُونًا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ فَيُقْتَلَ دَفْعًا لِشَرِّهِ غَيْرَ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُقْتَلَانِ مَا دَامَا يُقَاتِلَانِ وَغَيْرَهُمَا لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ بَعْدَ الْأَسْرِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ نَحْوَهُ، وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «نَهَى عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ وَالذَّرَارِيِّ».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنُ مَاجَهْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِلشَّيْخَيْنِ: «فَأَنْكَرَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ خَالِدِ بْنِ الْفَرْزِ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا، وَلَا صَغِيرًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا، وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»، انْتَهَى.
وَخَالِدُ بْنُ الْفِرْزِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِذَاكَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ مُعَارَضَةُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَبْقَوْا شَرْخَهُمْ»، انْتَهَى.
قَالَ: وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَالْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ مُنْقَطِعٌ فِي غَيْرِ حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: يُشْكِلُ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ: «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ، فَيُصَابُ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هُمْ مِنْهُمْ، وَفِي لَفْظٍ: هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ»، انْتَهَى.
زَادَ أَبُو دَاوُد: قَالَ الزُّهْرِيُّ: «ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ»، انْتَهَى.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، نَقَلَهُ الْحَازِمِيُّ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ الثَّانِي: أَنَّ حَدِيثَ الصَّعْبِ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي تَبْيِيتِ الْعَدُوِّ إذَا أُغِيرَ عَلَيْهِ، فَقَتَلَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، ضَرُورَةَ التَّوَصُّلِ إلَى الْعَدُوِّ، وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْمَنْعُ مِنْ قَتْلِهِمْ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ غَنِيمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ إتْلَافُهَا الثَّانِي: أَنَّ الشَّارِعَ لَيْسَ مِنْ غَرَضِهِ إفْسَادُ الْعَالَمِ، وَإِنَّمَا غَرَضُهُ إصْلَاحُهُ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِهْلَاكِ الْمُقَاتَلَةِ، وَمَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً، فَقَالَ: هَاهْ، مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ، فَلِمَ قُتِلَتْ؟».
قُلْت: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْمُرَقِّعِ بْنِ صَيْفِيٍّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَيْفِيٍّ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ، فَبَعَثَ رَجُلًا، فَقَالَ: اُنْظُرْ عَلَى مَا اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ؟ فَجَاءَ، فَقَالَ: امْرَأَةٍ قَتِيلٍ، فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ، وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَبَعَثَ رَجُلًا، فَقَالَ: قُلْ لِخَالِدٍ: لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلَا عَسِيفًا»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقِّعِ عَنْ جَدِّهِ رَبَاحٍ، فَذَكَرَهُ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَفِي لَفْظِهِ: فَقَالَ: «هَاهْ، مَا كَانَتْ تُقَاتِلُ»، الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، فَصَارَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. انْتَهَى.
فَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ تَقَدَّمَ عِنْدَ النَّسَائِيّ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَحَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقِّعِ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقِّعِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَرْنَا عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ، قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا النَّاسُ، فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ، ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ: انْطَلِقْ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَقُلْ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُك لَا تَقْتُلَنَّ ذُرِّيَّةً، وَلَا عَسِيفًا»، انْتَهَى.
ورَوَاهُ أَيْضًا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ: هَذَا الْخَبَرُ سَمِعَهُ الْمُرَقِّعُ بْنُ صَيْفِيٍّ عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، وَسَمِعَهُ مِنْ جَدِّهِ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَالْخَبَرَانِ مَحْفُوظَانِ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: سَأَلْت أَبِي، وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقِّعِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ»، الْحَدِيثَ، فَقَالَا: هَذَا خَطَأٌ، فَقَالَ: إنَّهُ مِنْ وَهْمِ الثَّوْرِيِّ، إنَّمَا هُوَ الْمُرَقِّعُ بْنُ صَيْفِيٍّ عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ، أَخِي حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا يَرْوِيهِ مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: مُرَقِّعُ بْنُ صَيْفِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، وَيُقَالُ: رِيَاحُ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَرَبَاحُ أَصَحُّ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَأَبِيهِ عُمَرُ، وَأَقَامَ إسْنَادَهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَبِيهِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُرَقِّعٍ عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَهُوَ وَهْمٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ يُقَالُ لَهُ: رَبَاحٌ، إلَّا هَذَا، مَعَ اخْتِلَافٍ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ الرَّجُلُ أَبَاهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَيَقْتُلَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ فَيُنَاقِضُهُ الْإِطْلَاقُ فِي إفْنَائِهِ (فَإِنْ أَدْرَكَهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اقْتِحَامِهِ الْمَأْثَمَ، وَإِنْ قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الدَّفْعُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهَرَ الْأَبُ الْمُسْلِمُ سَيْفَهُ عَلَى ابْنِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ يَقْتُلُهُ لِمَا بَيَّنَّا فَهَذَا أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.